بداية الحكاية بين السكر والدماغ
السكر ليس مجرد مكوّن يذوب في فنجان القهوة أو يختبئ في قطعة الشوكولاتة هو وقود قوي يرسل رسائل مباشرة إلى الدماغ لكن المفاجأة أن هذه الرسائل ليست دائما إيجابية كثير من الناس يعتقدون أن تأثير السكر ينتهي عند زيادة الوزن أو مشاكل الأسنان لكن الحقيقة أعمق بكثير الدماغ يتعامل مع السكر كما يتعامل مع أي مادة تسبب الإدمان يستقبل الإشارة ويفرز مواد كيميائية تجعلك تشعر بالراحة والمتعة وهذا ما يجعل قطعة الحلوى الصغيرة تبدو وكأنها كنز لا يقاوم.
من أول لقمة يبدأ مستوى الجلوكوز في الدم بالارتفاع فيرسل الدماغ إشارة تحفيزية تجعل الشخص يرغب بالمزيد هذه العملية ليست عشوائية بل هي نظام مبرمج داخليا للحفاظ على الطاقة ولكن مع الإفراط في تناول السكر يبدأ النظام بالتحول من حماية الجسم إلى استنزافه الأمر يشبه صديق يبالغ في المجاملة حتى يبدأ بإزعاجك دون أن تلاحظ
كيف يخدع السكر دماغك
السكر يلعب على أوتار الكيمياء العصبية في الدماغ وبالتحديد على نظام المكافأة المعروف بالدوبامين كل مرة تتناول فيها وجبة غنية بالسكر يقوم الدماغ بإطلاق دفعة من الدوبامين وهذا يجعلك تشعر بالسعادة اللحظية لكن المشكلة أن هذه السعادة لا تدوم طويلا سرعان ما يهبط المستوى وتشعر برغبة في جرعة جديدة هذه الدورة المستمرة هي السبب في أن كثيرين يجدون صعوبة في تقليل استهلاك السكر حتى وهم يعرفون أنه ضار.
علماء الأعصاب اكتشفوا أن الإفراط في تناول السكر يمكن أن يغيّر طريقة عمل الخلايا العصبية بحيث تصبح أقل حساسية للدوبامين وهذا يعني أنك تحتاج كميات أكبر لتحصل على نفس الشعور القديم تماما كما يحدث مع الإدمان على المخدرات الفرق أن السكر متاح في كل مكان ورخيص وسهل الوصول إليه مما يجعل الخطر أكبر بكثير مما يتصور معظم الناس.
الذاكرة والتركيز في مرمى السكر
السكر لا يكتفي بالتأثير على مزاجك بل يمتد إلى قدراتك العقلية الدراسات الحديثة أظهرت أن الوجبات عالية السكر قد تقلل من قدرة الدماغ على تكوين ذكريات جديدة أو الاحتفاظ بالمعلومات لفترة طويلة السبب أن ارتفاع السكر المزمن يسبب التهابات صغيرة في الأوعية الدموية الدقيقة داخل الدماغ هذه الالتهابات تؤثر على تدفق الدم وعلى صحة الخلايا العصبية ومع الوقت يصبح من الصعب الحفاظ على نفس مستوى التركيز.
تخيل أنك تحاول مشاهدة فيلم على شاشة مليئة بالضباب هذه هي الطريقة التي يعمل بها الدماغ عند التعرض المفرط للسكر الصورة موجودة لكن التفاصيل ضبابية وكأنها تهرب منك كلما حاولت الإمساك بها ومع استمرار هذه الحالة تتراجع مرونة الدماغ في معالجة المعلومات مما قد يسرّع من تدهور القدرات المعرفية مع التقدم في العمر.
الجانب النفسي الذي لا يتم الحديث عنه كثيرا
قلة من خبراء التغذية يتحدثون عن تأثير السكر على الصحة النفسية رغم أنه أحد العوامل الخفية في تقلب المزاج ارتفاع السكر السريع يرفع مستويات الطاقة ويعطي شعورا بالنشاط لكن الانخفاض المفاجئ بعد ذلك يخلق حالة من الخمول وربما القلق هذه التغيرات المتكررة في مستوى الطاقة تؤثر على استقرار المشاعر وتجعل الشخص أكثر عرضة للتوتر أو الانفعال لأسباب بسيطة.
الأمر يشبه ركوب قطار ملاهٍ عاطفي تبدأ باندفاع قوي من الحماس ثم تهبط فجأة إلى الإحباط الفرق أن هذا يحدث عدة مرات في اليوم دون أن تدرك سببه الحقيقي ومع مرور الوقت يمكن أن يساهم ذلك في مشاكل أعمق مثل القلق المزمن أو حتى الاكتئاب خاصة إذا كان الشخص يعاني من حساسية أكبر للتغيرات الكيميائية في الدماغ.
لماذا لا يخبرك الخبراء بكل هذه التفاصيل
هناك أسباب كثيرة لعدم تداول هذه المعلومات على نطاق واسع جزء منها أن صناعة الأغذية تعتمد بشكل كبير على السكر لتحسين المذاق وإطالة مدة الصلاحية وهذا يعني أن الحديث بصراحة عن أضراره الكاملة قد يضر بمصالح اقتصادية ضخمة إضافة إلى ذلك كثير من الدراسات التي تمولها شركات الغذاء تركز على الآثار البدنية المباشرة للسكر وتتجاهل الجوانب العصبية والنفسية.
حتى في البرامج الصحية العامة غالبا ما يكون التركيز على السعرات الحرارية أو الوزن بينما التأثيرات العميقة على الدماغ يتم تجاهلها أو تلخيصها في جملة واحدة وهذا يجعل الناس يظنون أن الحل بسيط وهو مجرد تقليل الكمية دون فهم أن هناك تغييرات بيولوجية معقدة تحدث بالفعل داخل عقولهم بسبب السكر.
كيف تستعيد دماغك من قبضة السكر
التوقف المفاجئ عن تناول السكر ليس سهلا لكنه ممكن ويحتاج إلى خطة ذكية أول خطوة هي إدراك أنك لست فقط تحارب عادة غذائية بل تحارب نظام مكافأة عصبي معتاد على جرعات منتظمة من المتعة الغذائية البديل ليس الحرمان بل استبدال مصادر السكر المكرر بالفواكه الكاملة والأطعمة الغنية بالألياف التي تساعد على استقرار مستويات الجلوكوز في الدم.
الخطوة التالية هي دعم الدماغ بمصادر غذائية تحافظ على صحته مثل الأحماض الدهنية أوميغا 3 والبروتينات الجيدة ومضادات الأكسدة هذه العناصر تساعد على إعادة التوازن الكيميائي وتقليل الالتهابات الدقيقة التي يسببها السكر مع الوقت ستجد أن رغبتك في الحلويات بدأت تنخفض وأن مزاجك وتركيزك أصبحا أكثر استقرارا.
الخلاصة ليست في الحرمان بل في الفهم
السكر ليس عدوا يجب التخلص منه تماما ولكنه مادة تحتاج إلى وعي في استخدامها إذا فهمت كيف يؤثر على دماغك ستعرف متى وكيف تتناوله دون أن تقع في فخ الإدمان الغذائي الأمر أشبه باستخدام أداة حادة يمكنها أن تصنع شيئا جميلا أو تسبب ضررا كبيرا كل ذلك يعتمد على طريقة الاستخدام.
دماغك هو مركز التحكم في حياتك ومن المنطقي أن تحافظ على نقاء بيئته الكيميائية حتى يتمكن من أداء مهامه بأفضل شكل تقليل السكر ليس فقط مسألة وزن أو مظهر بل هو استثمار مباشر في صفاء ذهنك واستقرار مشاعرك وجودة حياتك على المدى الطويل.