اليوغا أكثر من مجرد تمرين رحلة نحو التوازن الجسدي والعقلي


 

اليوغا أكثر من مجرد تمرين هي رحلة تعلّمك أن تعود إلى نفسك بهدوء وأن تقرأ إشارات جسدك قبل أن تصرخ وأن تلتقط أنفاسك قبل أن تتسارع وأن توازن بين قوة العضلات ومرونة القلب وأن تصادق صمتك بدل أن تتهرب منه وأن تصنع مساحة صغيرة تتسع ليومك كله في هذه الرحلة لا أحد يطالبك بالكمال ولا بنسخة مثالية من وضعيات صعبة كل المطلوب حضور صادق ونية واضحة وخطوات متدرجة تصنع فارقًا تراكميًا صغيرًا اليوم صغيرًا غدًا ثم كبيرًا بشكل مدهش مع الوقت فكر فيها كل جلسة يوغا تشبه إعادة تشغيل لطيفة لجهازك العصبي وكل نفس واع يشبه رسالة غير مكتوبة تقول لك أنا هنا وكل لحظة تركيز على إحساس الكعب على الأرض هي تدريب بسيط على الإمساك بتفاصيل الحياة حين تفلت منك.

ما الذي يجعل اليوغا أكثر من تمرين عادي 

اليوغا لا تقوي الجسد فقط بل تعيد توزيع الانتباه داخله فتلاحظ أي كتف أكثر توترًا وأي ورك أقل حركة وأي تنفس أسرع من اللازم ثم تبدأ بضبط النغمة حتى يصبح الجسد أوركسترا متناسقة بدل أن يكون آلات متفرقة وحين تتبدل طريقة التنفس يتبدل كل شيء لأن النفس طريق ذو اتجاهين ما بين الذهن والجسد فإذا هدأ الأول تلين الثانية والعكس صحيح لذلك تشعر بعد عشر دقائق من التمدد والتنفس أن العالم ما عاد ثقيلًا كما كان قبل قليل اليوغا تمنحك مساحة آمنة لتجربة الإبطاء في عالم سريع هنا نتحرك بوعي ونصغي للحرارة تتصاعد في الفخذين ونسمع القلب يطرق بابنا ونختبر كيف تتغير المشاعر لو بقينا معها بدل أن نهرب منها ومع الممارسة يتسع مفهوم القوة فلا يعود مرادفًا للشد أو الصراخ بل يصبح قدرة على البقاء في وضع غير مريح قليلًا دون أن تنكسر وقدرة على قول نعم لما ينفعك ولا لما يرهقك وقدرة على الراحة عند الحاجة دون شعور بالذنب.

كيف تدخل اليوغا إلى حياتك 

دون طقوس معقدة ابدأ بدقائق قليلة لأن السر في التكرار لا في الطول ثلاث إلى خمس وضعيات أساسية تكفي مثل وضعية الطفل التي تعلّمك الانسحاب بأمان والكلب المتوجه إلى أسفل الذي يطيل سلسلة خلفية نسينا الاعتناء بها والاندفاع الأمامي الذي يفتح الوركين بعد جلوس طويل اجعل النفس هو القائد ليس الصوت ولا الموسيقى عد في الشهيق إلى أربع وعد في الزفير إلى ست إن استطعت وستشعر أن موجة داخلية صارت تحملك من الوضعية إلى التي تليها دون شد زائد اربط الممارسة بإشارة يومية تصنع عادة إضاءة شمعة في نفس الركن أو كوب ماء دافئ قبل البدء أو تشغيل نفس المقطوعة كل مرة إشارات صغيرة تهمس للجسد حان وقت العودة إلى البيت لا تلاحق المرونة كهدف في حد ذاتها فالمرونة دون قوة كحبل مطاطي من غير عقد ما تحتاجه هو توازن بين مفاصل تتحرك وعضلات تحمل وبين إرادة تتقدم وحدود تحترم تعلم فن الخروج من الوضعية كما تعلم الدخول فيها لأن الدروس تختبئ في الأطراف كما تختبئ في الذروة الخروج البطيء يقيك الإصابات ويعلمك أن النهاية جزء من الإتقان لا هامش له.

اليوغا كأداة للعقل اليومي 

حين تقول أشعر بأن رأسي ممتلئ استخدم تمرين تفريغ بسيط تنفس شهيقًا ببطء وضع يدك على جوانب أضلاعك لتشعر بحركتها ثم ازفر وكأنك تضغط هواء قديم خارج صدرك كرر ثلاث مرات وستسمع ضجيج أفكارك يخف عندما يزورك قلق مفاجئ جرب وضع يد على القلب ويد على البطن وغمض العينين وراقب أي كف يتحرك أكثر مع النفس إن تحركت البطن فهذه علامة جيدة وإن بقي النفس عالقًا في أعلى الصدر فأنزل انتباهك إلى اليد السفلى برفق حتى تلحقه الحركة لو شعرت بثقل قبل اجتماع قصير قف منتصبًا وأطلق زفيرًا مسموعًا من الفم مرة أو مرتين ثم عد إلى أنفك للأنفاس العادية هذه الحيلة الصغيرة تفتح مسارًا لاهثًا كي يستريح ولأيام التعب الطويلة لا تقلق إن كانت ممارستك عشر دقائق فقط فالعقل لا يحتاج ثلاثين وضعية كي يهدأ بل يحتاج لحظة صدق واحدة مع نفسه تقول لقد فعلت ما أقدر عليه اليوم.

كيف تبني ممارسة تناسبك على المدى البعيد 

اعرف هدفك القريب هل تريد نومًا أعمق أم ظهرًا أقوى أم مزاجًا أهدأ الكتابة الواضحة للهدف تجعل اختيارك للوضعيات والتنفس أكثر دقة وتجنبك التشتت في بحر لا نهائي من الدروس اختر وتيرة أسبوعية قابلة للحياة جلسات قصيرة في أيام العمل وجلسة أطول في العطلة خطة بسيطة تغلب الحماس المؤقت الفوضوي دع يوم الراحة مقدسًا فالعضلات تبنى في الهدوء كما تبنى في الجهد والعقل يعيد ترتيب نفسه عندما تنسحب قليلًا تعلم أن تقيس تقدمك بعلامات داخلية لا بالمرايا كيف تتنفس في موقف صعب كيف تتعامل مع فكرة مزعجة كيف تتحدث مع جسمك عند أول إشارة ألم هذه مؤشرات ثرية أكثر من لمس أصابع القدمين ولا تنس ما يغذي الممارسة خارج السجادة ماء كاف يغسل التعب نوم مبكر يرمم الأنسجة وطعام بسيط يضع طاقة نظيفة في الدم.

خاتمة تلمس القلب قبل العضلات

اليوغا تعلمك شجاعة بطيئة أن تقول نعم لنفسك كل صباح وأن تمنح العالم نسخة أقل استعجالًا وأكثر إنصاتًا وأن تقابل كل يوم كأنه درس صغير في الطقس الداخلي ربما لن تلمس كعبك رأسك وربما لن تقف على يد واحدة وهذا لا يهم لأنك ستقف مع نفسك بثبات أكبر وستمد يدك إلى قلبك بصدق أكبر وستعرف متى تدفع ومتى تتراجع ومتى تبتسم لتوترك فتفك عقدته تذكر الأسرار اللطيفة التي مررنا بها ليست حيلًا عابرة بل أبواب صغيرة إلى غرف أعمق جربها بحب واكتب تجربتك وأغلق اليوم على نفس هادئ يهمس لك غدك أجمل حين تبدأه من الداخل.


تعليقات